الاستعلاء البصري في الإعلام الغربي كيف يصور التصميم العربي كنسخة باهتة

الكاتب: ثامر الصعيدي | القسم: التصميم الرقمي والتفاعلي | التاريخ: 2025-07-01

المقدمة

في عالم أصبح فيه التصميم أداة رئيسية في تشكيل الوعي البصري والثقافي، تتعمّق إشكالية استعلاء المنظومات الإعلامية الغربية في طريقة تقديمها للتصميم العربي. فالخطاب البصري المُهيمن لا يكتفي بعرض النماذج الغربية باعتبارها المعيار، بل يمارس نوعًا من الإقصاء الضمني لكل ما لا يشبهه، خاصة الإنتاج البصري الآتي من الفضاء العربي. هذه الإشكالية لا تتعلق فقط بالتذوق أو الاختلاف الثقافي، بل تمسّ جوهر مفاهيم السيادة البصرية والتمثيل العادل للهويات.
 

الهيمنة البصرية ليست صدفة: بل هندسة مفاهيم

الاحتراف في التصميم لا يُعرّف ضمن فراغ بصري، بل يُعاد تشكيله ضمن منظومة معايير بصرية تُنتجها بيئات ثقافية واقتصادية نافذة. هنا تظهر مفارقة خطيرة: حين يتم تقديم النموذج البصري العربي في الإعلام العالمي، فإنه إما يُهمّش بالكامل، أو يُقدَّم كنسخة غير مكتملة من نظيره الغربي، مع تجاهل السياقات الحضارية، والنُظم الجمالية، والمرجعيات الثقافية التي تحكم الذائقة البصرية في الفضاء العربي.
هذا التمثيل المتحيز ينتج سلسلة من التصورات المشوهة:

  • أن التصميم العربي محدود في قدراته.
  • أن العناصر المحلية مثل الخط العربي، الزخارف، أو الرموز التراثية هي أدوات "زينة" لا تصلح لبناء هوية مؤسسية حديثة.
  • أن كل ما لا يُحاكي أنماط الغرب، هو بالضرورة دون المستوى.
     

أدوات الاستعلاء البصري: كيف تُمارس عملية التحييد؟

لا يتم التحييد من خلال الرفض الصريح، بل عبر وسائل أكثر نعومة وفعالية:

  1. التهوين غير المعلن
    حين يُعرض مشروع بصري عربي، يتم التركيز غالبًا على الطابع "المحلي" وكأن ذلك يعني ضمنًا "الضعف" أو "الطابع الفلكلوري". أما المشاريع الغربية فتوصف بعبارات مثل: أنيقة، عالمية، حداثية، قابلة للتصدير.
    هذا التهوين الناعم يجعل التصميم العربي في موقع دفاع دائم، كأنه يحتاج إلى "إثبات الأهلية".
  2.  الإقصاء من دوائر الحوار
    في كثير من الممارسات الإعلامية، تُعرض أمثلة التصميم الحديث كنماذج مختارة من ثقافات محددة، ويُقصى عنها أي تمثيل عربي معاصر. ليس لأن هناك نقصًا في الجودة، بل لأن آلية الاختيار نفسها تقوم على تصورات مسبقة لما يجب أن يُعتبر "جيدًا بصريًا".
  3. الحصر السياقي للهوية البصرية
    حين يُتاح للتصميم العربي أن يظهر، غالبًا ما يُدفع به نحو خانة الزخرفة التراثية، ويُستخدم في أطر ضيقة مثل المناسبات الدينية أو الحملات الرمزية. لا يُقدَّم كمنظومة تصميمية معاصرة، بل كعنصر ثقافي محدود يُستدعى للتزيين فقط، لا للمشاركة الفعلية في صياغة هويات بصرية حديثة وقابلة للتوسع.
     

آثار هذه الهيمنة على المصمم العربي

الضرر الذي تسببه هذه البنية الإعلامية لا يتوقف عند مستوى التمثيل الخارجي، بل يمتد إلى داخل بيئة المصمم العربي ذاته.

  1. عقدة المقارنة
    المصمم العربي يتربى مهنيًا داخل حقل بصري تُقدّم فيه النماذج الغربية باعتبارها "الاحتراف الحقيقي"، ويُدفع تدريجيًا لتقليدها، ظنًا أن ذلك هو طريق الاعتراف.
  2. فقدان الثقة بالهوية البصرية المحلية
    عندما لا يتم تقديم الرموز المحلية على أنها قابلة للتوظيف في أنظمة معاصرة، يفقد المصمم علاقته بالهوية البصرية كمنبع قوة، ويبدأ بالنظر لها كحِمل أو كديكور لا وظيفة له.
  3. إعادة إنتاج التهميش
    يبدأ المصمم العربي، من دون وعي، بإعادة تدوير النموذج المُهيمن ذاته، ويقصي الهويات العربية من تصميماته، ليكسب "القبول المهني"، ويبتعد بذلك عن الجذور التي يمكن أن تمنحه التميز لا التقليد.
     

نماذج تطبيقية لحالات التهميش

  • رغم الامتناع عن ذكر الجهات، فإن الممارسات العامة تكشف النمط:
  • التصاميم المحلية لا تُعرض في الصفحات الأولى من المنصات البصرية الكبرى.
  • لا يتم اختيار المشاريع العربية الحديثة ضمن الأمثلة المرجعية عند الحديث عن "الاتجاهات البصرية العالمية".
  • معظم الحملات الإعلامية الموجهة للمنطقة العربية تستخدم نظامًا بصريًا مستوردًا، ويتم تكييفه لغويًا فقط، دون تعديل في البنية البصرية التي لا تناسب السياق الثقافي المحلي.
     

هل من الممكن صناعة بديل؟

الإجابة ليست فقط ممكنة، بل ضرورية، لكنها مشروطة بعدة مداخل:

  1. تفكيك عقدة المرجعية الواحدة
    لا توجد هوية بصرية واحدة صالحة لكل الثقافات. ما يُعتبر احترافيًا في بيئة معينة، قد يكون ضعيفًا أو فارغًا في بيئة أخرى.
  2. إعادة بناء الثقة في اللغة البصرية العربية
    عناصر التصميم العربي – من الخط، إلى الزخرفة، إلى النسب الهندسية – ليست أدوات فلكلورية، بل أدوات نظامية قابلة للتوظيف المعاصر.
  3. تطوير خطاب نقدي بصري محلي
    لابد من بناء نقد حقيقي للمنتج البصري العربي لا يخضع للمقاييس الخارجية كمعيار مطلق، بل يُقيّم بناءً على أهدافه، جمهوره، وسياقه.
  4. تقديم نماذج مضادة
    الرد على التحييد لا يكون بالانسحاب، بل بخلق نماذج عربية بصرية قوية، متزنة، حديثة، لا تقلد، بل تقود.

خاتمة

ما يُمارس على التصميم العربي من تحييد واستعلاء بصري هو جزء من بنية أوسع تُعيد إنتاج المركزية الغربية في الثقافة البصرية العالمية.
الرد لا يكون بالانكفاء، ولا بالانبهار، بل بالانطلاق من الداخل، من فهم الأدوات البصرية العربية كأصول يمكن البناء عليها، لا كتراث ينبغي الهروب منه.
التصميم العربي ليس نسخة باهتة من أحد. بل هو مدرسة بصرية لم تُأخذ فرصتها بعد. وكل من يشارك في إحيائها وتطويرها، لا يصنع تصميمًا فقط، بل يصنع لغة حضارية جديدة.