الكاتب: ثامر الصعيدي | القسم: التسويق الرقمي | التاريخ: 2025-07-01
في عالم تسوده أنماط إنتاج إعلامي وتسويقي عابرة للحدود، لم تعد المنتجات وحدها هي ما يُصدَّر من الغرب، بل باتت تُصدَّر معها الأطر المفاهيمية، والأساليب الخطابية، والقوالب البصرية بوصفها النموذج المثالي. تُقدَّم هذه القوالب على أنها احترافية، ناجحة، ومجرّبة، بينما تُعامل الحملات المحلية في السوق العربي غالبًا بنوع من التقليل أو الاستبعاد، مهما بلغت من جودة أو تأثير فعلي.
هذه الممارسة لا تتم من خلال الفرض المباشر، بل عبر ترسيخ سرديات محددة على مستوى الإعلام العالمي، تجعل من النموذج الغربي مرجعًا لا يُناقش، وتُقصي كل ما سواه من خيارات تسويقية محلية أو نابعة من بيئات ثقافية مختلفة.
المعضلة ليست في جودة النماذج الغربية، بل في الطريقة التي تُقدَّم بها على أنها الوحيدة الممكنة. في كثير من الخطابات الإعلامية والمؤسساتية، يُفترض ضمنًا أن الحملة التسويقية الناجحة يجب أن:
هذه السمات ليست خاطئة بحد ذاتها، لكنها ليست بالضرورة مناسبة للسوق العربي، حيث تختلف المحفزات، والتراكيب الاجتماعية، وتوقعات الجمهور من العلامة التجارية.
غالبًا ما تتجه بعض المؤسسات في السوق العربي إلى استيراد نموذج لحملة دولية ناجحة، وتقوم بتعريبه من دون إعادة هندسة تناسب السياق المحلي. هذه الممارسة تتكرر في صور متعددة:
يتم التعامل مع القالب المستورد كأنه "ضامن للنجاح"، مع تجاهل الاختلافات السياقية الجوهرية التي تؤثر على فاعلية الرسالة.
حتى عند تحقيق حملات محلية لنتائج ملموسة ونجاحات واضحة في السوق، فإنها نادرًا ما تحظى بالاهتمام أو التوثيق في المنصات التحليلية الكبرى، وكأن فاعليتها لا تستحق الدراسة إلا إذا كانت محاكية لنموذج خارجي.
هذا التجاهل يُكرّس معايير مزدوجة:
الهيمنة التسويقية الغربية لا تنتج فقط عن التفوق التقني أو البصري، بل عن ترسيخ منظومة قيم تسويقية يُفترض أنها الأكثر فاعلية. هذه المنظومة تنتقل إلى المؤسسات المحلية من خلال:
وهكذا، يتحول المصمم، أو كاتب المحتوى، أو مدير التسويق المحلي، من صانع قرار إلى منفذ لقوالب جاهزة.
واحدة من أكثر النقاط تجاهلًا في هذه المنظومة هي اللغة واللهجات. فالمعيار الخطابي الغربي يُؤسس على البساطة الباردة، واستخدام مفردات مجردة ومباشرة، بينما تتطلب بعض الأسواق العربية:
لكن حين تُفرض القوالب الأجنبية، يُنظر إلى استخدام اللهجة على أنه "غير احترافي"، أو يُستبعد تمامًا رغم ثبوت فاعليته في قطاعات واسعة.
عندما يُستبعد السياق العربي من صناعة الحملات التسويقية، فإن المؤسسات تخسر الكثير:
تغيير هذا المسار لا يعني رفض كل ما يأتي من الخارج، بل يعني استعادة حقنا في التقييم، والاختيار، والبناء من الداخل.
الهيمنة التسويقية الغربية لا تمارس بالقوة، بل بالترميز المتكرر لفكرة أن "النجاح له شكل واحد".
حين يُفرض هذا الشكل على السوق العربي دون فهم أو حوار، يتحول التسويق إلى تقليد بصري، لا أداة اتصال حقيقية.
والمخرج ليس في معارضة الغرب، بل في أن يُعاد تشكيل معايير الجودة والتأثير انطلاقًا من خصوصيتنا وسياقاتنا المحلية، لا من سرديات لا تمثلنا.