الكاتب: ثامر الصعيدي | القسم: كتابة المحتوى | التاريخ: 2025-07-01
في فضاء إعلامي بات يُقدّم نفسه كعابر للثقافات واللغات، لا تزال هناك فجوة واضحة بين الادعاء بالانفتاح، والممارسة الفعلية التي تكشف عن نظام تراتبيّ صارم يُمجّد خطابًا واحدًا، ويُحقّر كل ما سواه.
السرد العربي، برمزيّاته، وإيقاعه، وتقاليده البلاغية، يُهمَّش في كثير من المنصات الإعلامية والرقمية العالمية، ويُختزل في قوالب سطحية تُقدّمه إما كخطاب عاطفي، أو كنتاج ثقافي متأخر لا يصل إلى مستوى "المحتوى العالمي".
في المقابل، يُحتفى بالمحتوى الإنجليزي حتى حين يكون فارغًا من العمق أو مسطّحًا في معانيه، ويُقدَّم على أنه احترافي، قيادي، وأهليّ للتمثيل العالمي.
الهيمنة لا تبدأ من الفكرة، بل من اللغة التي تُكتب بها الفكرة. في أغلب المنصات الرقمية الكبرى، يُعتبر المحتوى المكتوب بالإنجليزية هو النموذج الافتراضي:
هذا التحيّز البنيوي لا يمنع فقط ظهور المحتوى العربي، بل يُرغم الكتّاب العرب أحيانًا على الكتابة بلغة ليست لغتهم الأصلية، أو على محاكاة أسلوب لا ينتمي إلى مرجعهم الثقافي.
حين يُسمح للمحتوى العربي بالظهور، فهو غالبًا يمر عبر بوابة "القابلية للفهم الغربي"، أي:
بهذا الشكل، لا يُقدَّم المحتوى العربي كما هو، بل يُعاد إنتاجه عبر مرشحات تُضعف منطقه الداخلي، وتحوّله إلى منتج صالح للعرض لا للجدل أو التفاعل المعرفي الحقيقي.
المحتوى العربي غالبًا ما يُصنَّف في المنصات الكبرى تحت ثلاث قوالب نمطية مكرّسة:
هذه القوالب تُقصي الكتابة العربية الجادة والمعاصرة، وتُعطل قدرتها على إنتاج مفاهيم جديدة، أو الدخول في حوار معرفي عالمي.
في المقابل، تُعامل الكتابة الإنجليزية، حتى حين تكون مسطّحة، تجارية، أو خالية من الأصالة، على أنها قابلة للتصدير والتبجيل. يُحتفى بها في قوائم "أفضل ما نُشر"، وتُقتبس على نطاق واسع، وتُمنح شرعية الخطاب الأكاديمي أو الإعلامي.
هذا التمجيد لا يقوم على عمق الفكرة، بل على قوة الهيمنة الثقافية التي تربط اللغة الإنجليزية بالجدارة والقيادة والتأثير.
هذا النمط من التحيز لا يمر دون أثر، بل يترك نتائج سلبية عميقة على المستوى النفسي والمهني:
حين يتم تهميش السرد العربي وتحقيره ضمن البنى الإعلامية العالمية، فإن الخسارة ليست شخصية فقط، بل ثقافية بالكامل:
الرد لا يكون بالانسحاب أو الاسترضاء، بل بإعادة صياغة استراتيجية حضورنا السردي في العالم الرقمي:
تحقير السرد العربي في الإعلام العالمي ليس مجرد نتيجة لسوء تمثيل، بل هو انعكاس لبنية هيمنة تُعيد إنتاج من يكتب، ولمن، وكيف.
وحين نُقنع أنفسنا أن الترجمة كافية، أو أن التقليد هو السبيل للاعتراف، نكون قد شاركنا – دون أن نعلم – في محو صوتنا الحقيقي.
ما نحتاجه اليوم ليس فقط الدفاع عن اللغة، بل الدفاع عن حقنا في أن نحكي بطريقتنا، وبمرجعيتنا، وأن نُفهم كما نحن، لا كما يُراد لنا أن نكون.